في تعلّم الرياضيات وتعليمها بحث جاهز منقول
صفحة 1 من اصل 1
23072012
في تعلّم الرياضيات وتعليمها بحث جاهز منقول
"لا أحد يبدأ من الصفر ... ما من تجربة بدؤها العدم، ولا فعل ينطلق من فراغ ... قد تصغر في ذاتنا الأشياء وقد نكبر في ذات الأشياء ..." قالت معلمتي.
سرد تجربتي البحثية "رياضيات ذات معنى" يبدأ عند تخوم الصفر، حين كنت طالباً ومعلماً لمادة الرياضيات في المرحلة الثانوية. وعندما نعود بالذاكرة إلى الوراء، ونعدو في ساحات المكان والزمان بحثاً عن الفضاء الضائع فينا، ومع صعوبة التحرك في هذه الوحدة الفضائية الزمكانية؛ إلاّ أن قليلاً من الخيال، وبعضاً من الإرادة للتخلص من واقع ضاغط بالغ الكثافة والثقل، سيجعلاننا نتعثر بآلاف التجارب التي تبدو نقاطاً ونتفاً في فضاء الحياة؛ وهي أصغر من أن نتوقعها على قدر من الأهمية في لحظة حدوثها. قد تبدو معزولة ظاهرياً، ولكنها تبقى تدور في أفلاك الذاكرة، وتتجمع في لحظة زمنية من عمر الإنسان، وتصبح في مجموعها "نقطة تحول" في حياتنا أو في عملنا أو في معتقداتنا (ربما لأنها أصابت شيئاً فينا، أو أظهرت لنا شيئاً نبحث عنه). وكم تكون المتعة كبيرة عندما نفلح في جعل ما نتذكره شيئاً يتخطى مجرد ما نتذكر إلى حدث يُشكّل فرصة للتعلُّم. وحتى تكون الذكرى فرصة تعلّم، يجب أن نكتبها، وعندما نكتبها نحذف عنها بعض تاريخها ونضيف إليها بعضاً من مستقبلها، ولكن تبقى هذه الكتابة ضرورية لردم الهوّة بين وعي الأشياء والصمت أمامها.
واحدة من تلك المحطات العبورية هي سهام معلمة الرياضيات في الصف الخامس، معلمة عصبية، ملولة، ودائمة الشكوى من كسل الطلاب ولامبالاتهم بالرياضيات. كانت حين تشرح درسا تبدأ بكتابة سؤال وتحله بصورة مُفصلة، ثم تطلب منا حل أسئلة تُشبهه. وعندما كنا نسأل لماذا كذا وكذا تُجيب بترفع: هيك القانون هيك الطريقة هيك مكتوب في الكتاب! أما إذا سألناها كيف؟ فتسارع إلى وصف خطوات الحل بالتفصيل مرة ثانية، ثم تطالبنا بمعرفة كل هذه التفاصيل، وتحاسبنا عليها في وقت الامتحان. كثيراً ما كانت تقول: "إذا ما حفظتوا هذه الطريقة مش راح توصلوا للجواب الصحيح".
في أحد دروس القسمة أعطتنا خوارزميات القسمة الطويلة. بدت لي في حينها إجراءات طويلة بلا معنى. ذات يوم، وبختني المعلمة سهام لأني كثيراً ما كنت أخطئ في وضع الفاصلة في المكان الصحيح. صمتُّ، وقد اعتبرت صمتي الطويل إهمالاً لها أو تعالياً عليها، فأمرت رمزي أن يُحضر العصا من غرفة المدير. لم يجدها، فاحضر بدلاً منها منفاخ دراجة هوائية ضربتني به على أطراف أصابعي. عندما عدت إلى البيت كان الأثر قد غاب تماماً، وقد أحزنني غياب الأثر، ما عمّق الألم في نفسي. في أواخر ذلك العام غابت المعلمة سهام أياماً عدة، وجاءت المعلمة نادية بديلة لها. نادية قامت بمراجعة الدروس السابقة، بما فيها درس القسمة الطويلة. لم أكن أعرف وقتها لماذا أحببت المعلمة نادية. بعد فترة عرفت؛ لأنها أعطتنا درساً في القسمة بدون فاصلة!
- معلم الرياضيات في الصف العاشر كان من عادته صفع كل من يخطئ في طريقة حل مسألة، أو كل من يصل إلى جواب خاطئ. في درس النسب المثلثية والتقديرات الدائرية بدا لي معلم الرياضيات يتحدث بلغة غريبة ومليئة بالرموز، وليس لها علاقة بالأشياء التي نعرفها. كتب على اللوح بعض القوانين والرموز، وبيّن علاقاتها فزادها غموضاً. سأل عماد عن أصل بعض المصطلحات كالجيب وجيب التمام، ما شجعني أن أسأله أن يحكي لنا قصتها. فما كان منه إلا أن صاح: "هلقيت وقت قصص وحكي فاضي ... خلّي ستّك تحكيلك إياها ... ورجاءً ما بدناش فلسفة .. هذه حصة رياضيات وعلم مش حصة قصص وتضييع وقت" ... ثم كتب سؤالاً على اللوح وطلب مني حلّه ... خرجتُ إلى اللوح وبدأت بحل السؤال، فإذا أخطأت بعملية حسابية صفعني على وجهي، وإذا قمت بخطوة لا يتوقعها هو فالصفعة على رقبتي، وإذا سألني عن قانون لا أتذكره لكزني بالعصا. تكرر هذا في معظم حصص الرياضيات. بالنسبة لي بتُ لفترة طويلة لا أشعر بجسدي إلا حين أخطئ، وقد كرهت جسدي، وبقيتُ فترة لم أعد فيها مبالياً بشيء حتى عندما أتعثر أُحمِّل خطواتي خطأ حساباتي.
- في أيام دراستي في المدرسة كان يشدني ويلفت انتباهي بعض ما كان يكتبه الأستاذ منير فاشة في مجلة "نشرة في الرياضيات"، التي كانت تصدر عن لجنة تطوير الرياضيات المدرسية في السبعينيات، مع أني لم أكن أفهم كل ما يكتب، ولكن شعرت أن ما يكتبه يكسر المألوف:
> "إن الرياضيات المعروضة للبيع في الكتب المنهجية هي هيكل فقد روحه. هي تماماً كالأصنام المعروضة في واجهة المحال التجارية: فعلى الرغم من أن مقاييسها نموذجية ولها الكثير من الصفات المحببة، فإنها تفتقر إلى الروح والحياة. هدفنا أن تُصبح الرياضيات بعد عشر سنوات أو عشرين سنة شيقة للأطفال مثل قصصهم ... هدفنا أن يحكيها الآباء والأمهات لأطفالهم قبل النوم، وعندما يلعبون معهم ... هدفنا أن يعرف الصغير ابن الثامنة عن موضوع واحد على الأقل أكثر من والديه ومعلميه".
> "كنت مخطئاً حين اعتقدت أن الرياضيات موضوع محايد لا علاقة له بالسلطة ولا بالحضارة. يجب أن ننتبه في دول العالم الثالث من السير في الطريق الذي ساره الغرب من تمجيد المعرفة المنعزلة عن الحضارة والذات والمشاعر ... لهذا يجب أن يكون تعليم الرياضيات مفتوحاً، وإعادة تثقيف المعلم وليس تدريبه هي الشرط الأهم في ذلك".
> "حتى في الرياضيات لا توجد حقائق مطلقة، والذي يُحدد الحقيقة هو السياق ... فمثلاً؛ واحد لا يُساوي واحداً، والذي يُحدد صحة هذه العبارة هو السياق، فتفاحة جيّدة لا تُساوي تفاحة خربانة ... إن تدريس الرياضيات بمعزل عن الحياة ودون سياقات حقيقية يُعطي نوعاً من الأمان، ولكن في الوقت نفسه يُكرس العزلة... . إن الأفكار والنظريات التي تُدرس بشكل مجرد أو بشكل عام، تكون مقبولة لدى معظم الناس، ولكن عند التطبيق يختلف الناس عليها ويتقاتلون".
> يجب ألا نسأل الطلبة إذا كانت هذه العبارة صحيحة أم خاطئة، بل يجب أن نبحث متى تكون صحيحة وفي أي ظروف" ... يجب أن نُشجع أكثر أسئلة مثل أيهما تُحب أكثر 2 أم 5 ولماذا؟
(في إحدى مقالاته التي نُشرت في جريدة القدس في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، توصل إلى أن الطلبة المحافظين في تفكيرهم وعاداتهم يميلون إلى دراسة الرياضيات". الكثير من الناس، وبخاصة العلميين منهم قالوا له كيف عرفت؟ هل قست؟ هل أخذت عينة عشوائية؟ هل أجريت دراسة؟)
على الرغم من أنني لم أفهم معظم ما كتبه منير، فإن ما قرأته أثار في داخلي أسئلة حيّرتني:
ما معنى أن تكون للرياضيات علاقة بالسلطة؟ ما معنى أن تكون للرياضيات علاقة بالحضارة؟ ماذا يعني تمجيد الغرب للمعرفة المنعزلة؟ ما معنى عدم وجود حقائق مطلقة في الرياضيات؟ ... هل يمكن مثلاً أن يكون جواب صحيحاً في سياقٍ ما وخاطئاً في سياق آخر؟ هل تحتمل الرياضيات التناقض؟ هل يُمكن للواحد أن لا يساوي الواحد؟ هل الفيل الواحد مثل الفيروس الواحد؟ هل المسافة بين الماضي والحاضر هي نفسها بين الحاضر والمستقبل (خيل لي لفترة من الزمن أن هذه المسافة في الحالتين غير متناهية وتداعت أفكاري لأسأل نفسي ماذا يعني غير متناهٍ؟ وتعمَّق تفكيري، وحدست أن هناك غير متناهٍ في الكبر لا يُساوي غير متناهٍ في الكبر آخر، ولكن ما هي الأشياء غير المتناهية في الكبر؟ وما دام هناك غير متناه في الكبر إذن هناك أشياء غير متناهية في الصغر؟ وقد تصدّع رأسي في التفكير بالاثنتين معاً، وعندما كنت أسأل أحدهم تكون الإجابة من قبيل: الأشياء المتناهية في الكبر هي النجوم والمجرات، والأشياء المتناهية في الصغر هو الإنسان في هذا العالم أو حبّة التراب أو ستعرف عندما تدرس رياضيات أو فيزياء في الجامعة.. الخ).
حين ارتحلت إلى الجامعة بكل هذا الإرث الإشكالي وكل هذه الأسئلة حول الرياضيات ومعناها، تخصصت في الرياضيات؛ لا رغبة في استدراك إجابات عن أسئلة شغلتني، وإنما لأن معدّلي بالمفهوم الاجتماعي يؤهلني لمهمة من هذا العيار الثقيل، مع أن هاجس دراسة الأدب كان يستحوذ على تفكيري وقتذاك. في الجامعة بدأتُ أتلمس انغلاق الموضوعات الرياضية والعلمية عموماً على النظري والمجرد، وانحصار التعليم في اليقينيات والمطلق وغياب السياق، وبدا لي المنطق الرياضي بنوره الشديد يمحي كل منطقة ظليلة أو حافة غامضة تقبل التناقض أو تتسامح مع اللايقين، كما بدت لي الرياضيات وعلوم الطبيعة أبعد من أن تطالها عواطف الإنسان وثقافته، وقد تمنيت أن أرى مثلاً في مساق الهندسية الفراغية شيئاً عن الفلك. ليس فقط وصفاً لأشكال وعرضاً لمعادلات قوى الجذب والدوران، بل أيضاً وصف لكيمياء العقل وفلك النفس والوجدان. وسرعان ما اكتشفت أن تخصص الرياضيات لا يُناسبني. ولكن التحويل إلى كلية الآداب يعني من وجهة نظر بعضهم هبوطاً من تخصص صلب منيع إلى تخصص رخو، بما يحمل ذلك من مواضعات اجتماعية. وبقيتُ في حصن الرياضيات المنيع.
(كم تمنيتُ وقتذاك أن يكون هناك تخصص يجمع الرياضيات بالآداب ... يجمع بين تخصص الرياضيات كأقصى حدود التمثيل التجريدي واليقين، وبين الأدب حيث الوجود لغة تحمل كل لايقيناتها!).
امتهنت مهنة التعليم، ويبدو أن تأثير المدرسة والجامعة لا يكمن في المادة التي تُعلِّمها بقدر ما يكمن في فرض التعود على نموذج محدد من التفكير والسلوك، وقد تعودتُ على ممارسات أقرب لتلك التي كان يُمارسها معلمونا في المدرسة والجامعة، فحصر الرياضيات في النظريات والقوانين والأسئلة المجردة، ونزع المفاهيم من السياق، والقيام بتجزئة المادة وتبسيطها، والمبالغة في الدقة والتفاصيل، كانت في مستوى القانون الطبيعي بالنسبة لي، وبخاصة في بدايات عملي، وكثيراً ما كنتُ أقف عاجزاً أمام أسئلة من نوع لماذا، وأستحسن أسئلة من نوع كيف، وكانت أسئلة مثل: من أين جاء هذا القانون أو ما قصة هذه النظرية؟ ما معنى هذا القانون؟ إلى متى يبقى هذا الجواب صحيحاً؟ ما الذي جعل فلان يفكر في هذا البرهان؟ ... مثل هذه الأسئلة كانت تستفزني وترفع من منسوب الرغبة في البحث، ومع ذلك فغالباً ما كنتُ أتجاهلها وأعتبر أن موضوعاتها أُموراً زائدة عن الحاجة، ويبدو أن الرغبة في تجاهل المعرفة تُعادل الرغبة فيها، وبخاصة إذا كان الإنسان واقعاً تحت ضغط الواجب الوظيفي وسلطة العادة.
أتذكر في هذا المجال الطالبة هديل ... التي كان يعتبرها بعض المعلمين متعالية وبعضهم الآخر يعتبرها جريئة ... أتذكرها عندما وقفت في الصف العاشر، وقالت بلهجة احتجاجية:
كل ما نسألك عن أصل هذه النظرية أو عن قصتها أو عن معناها أو عن شكل ارتباطها في الواقع تتهرب من الجواب ... أو تبدأ بحل سؤال تعتبره تطبيقاً على النظرية، وتهتم بالتفاصيل والوصول إلى الجواب الصحيح ... هل علموكم في الجامعة كيف تحلّون أسئلة فقط؟ أنا يا أستاذ أعرف أحل أسئلة ... أعرف كيف أصل إلى الجواب الصحيح، ومع ذلك لا أرى أنها تضيف معنى لهذه القوانين والنظريات ... .
حاولت أن أدافع عن الرياضيات وأنا في الواقع أدافع عن نفسي، فحاولت تبيان بعض التطبيقات للموضوع ... قاطعتني هديل، وقالت:
لا أشك في أن لها تطبيقات في الواقع والحياة، ولكن ما يهمني أولاً أن يكون لها معنى بالنسبة لي ... ويؤسفني أن أخبرك وقد اخترتموني للقسم العلمي أن مادة الرياضيات عموماً لا تُطاوع عقلي، وكلما أحاول تطويعها تتكسر النظريات والقوانين في داخلي وتُصبح دون معنى. بتعرف ليش يا أستاذ؟ لأنها باردة وصلبة وجامدة كالتماثيل، والتماثيل عندما تُحاول تطويعها تنكسر.
سرد تجربتي البحثية "رياضيات ذات معنى" يبدأ عند تخوم الصفر، حين كنت طالباً ومعلماً لمادة الرياضيات في المرحلة الثانوية. وعندما نعود بالذاكرة إلى الوراء، ونعدو في ساحات المكان والزمان بحثاً عن الفضاء الضائع فينا، ومع صعوبة التحرك في هذه الوحدة الفضائية الزمكانية؛ إلاّ أن قليلاً من الخيال، وبعضاً من الإرادة للتخلص من واقع ضاغط بالغ الكثافة والثقل، سيجعلاننا نتعثر بآلاف التجارب التي تبدو نقاطاً ونتفاً في فضاء الحياة؛ وهي أصغر من أن نتوقعها على قدر من الأهمية في لحظة حدوثها. قد تبدو معزولة ظاهرياً، ولكنها تبقى تدور في أفلاك الذاكرة، وتتجمع في لحظة زمنية من عمر الإنسان، وتصبح في مجموعها "نقطة تحول" في حياتنا أو في عملنا أو في معتقداتنا (ربما لأنها أصابت شيئاً فينا، أو أظهرت لنا شيئاً نبحث عنه). وكم تكون المتعة كبيرة عندما نفلح في جعل ما نتذكره شيئاً يتخطى مجرد ما نتذكر إلى حدث يُشكّل فرصة للتعلُّم. وحتى تكون الذكرى فرصة تعلّم، يجب أن نكتبها، وعندما نكتبها نحذف عنها بعض تاريخها ونضيف إليها بعضاً من مستقبلها، ولكن تبقى هذه الكتابة ضرورية لردم الهوّة بين وعي الأشياء والصمت أمامها.
واحدة من تلك المحطات العبورية هي سهام معلمة الرياضيات في الصف الخامس، معلمة عصبية، ملولة، ودائمة الشكوى من كسل الطلاب ولامبالاتهم بالرياضيات. كانت حين تشرح درسا تبدأ بكتابة سؤال وتحله بصورة مُفصلة، ثم تطلب منا حل أسئلة تُشبهه. وعندما كنا نسأل لماذا كذا وكذا تُجيب بترفع: هيك القانون هيك الطريقة هيك مكتوب في الكتاب! أما إذا سألناها كيف؟ فتسارع إلى وصف خطوات الحل بالتفصيل مرة ثانية، ثم تطالبنا بمعرفة كل هذه التفاصيل، وتحاسبنا عليها في وقت الامتحان. كثيراً ما كانت تقول: "إذا ما حفظتوا هذه الطريقة مش راح توصلوا للجواب الصحيح".
في أحد دروس القسمة أعطتنا خوارزميات القسمة الطويلة. بدت لي في حينها إجراءات طويلة بلا معنى. ذات يوم، وبختني المعلمة سهام لأني كثيراً ما كنت أخطئ في وضع الفاصلة في المكان الصحيح. صمتُّ، وقد اعتبرت صمتي الطويل إهمالاً لها أو تعالياً عليها، فأمرت رمزي أن يُحضر العصا من غرفة المدير. لم يجدها، فاحضر بدلاً منها منفاخ دراجة هوائية ضربتني به على أطراف أصابعي. عندما عدت إلى البيت كان الأثر قد غاب تماماً، وقد أحزنني غياب الأثر، ما عمّق الألم في نفسي. في أواخر ذلك العام غابت المعلمة سهام أياماً عدة، وجاءت المعلمة نادية بديلة لها. نادية قامت بمراجعة الدروس السابقة، بما فيها درس القسمة الطويلة. لم أكن أعرف وقتها لماذا أحببت المعلمة نادية. بعد فترة عرفت؛ لأنها أعطتنا درساً في القسمة بدون فاصلة!
- معلم الرياضيات في الصف العاشر كان من عادته صفع كل من يخطئ في طريقة حل مسألة، أو كل من يصل إلى جواب خاطئ. في درس النسب المثلثية والتقديرات الدائرية بدا لي معلم الرياضيات يتحدث بلغة غريبة ومليئة بالرموز، وليس لها علاقة بالأشياء التي نعرفها. كتب على اللوح بعض القوانين والرموز، وبيّن علاقاتها فزادها غموضاً. سأل عماد عن أصل بعض المصطلحات كالجيب وجيب التمام، ما شجعني أن أسأله أن يحكي لنا قصتها. فما كان منه إلا أن صاح: "هلقيت وقت قصص وحكي فاضي ... خلّي ستّك تحكيلك إياها ... ورجاءً ما بدناش فلسفة .. هذه حصة رياضيات وعلم مش حصة قصص وتضييع وقت" ... ثم كتب سؤالاً على اللوح وطلب مني حلّه ... خرجتُ إلى اللوح وبدأت بحل السؤال، فإذا أخطأت بعملية حسابية صفعني على وجهي، وإذا قمت بخطوة لا يتوقعها هو فالصفعة على رقبتي، وإذا سألني عن قانون لا أتذكره لكزني بالعصا. تكرر هذا في معظم حصص الرياضيات. بالنسبة لي بتُ لفترة طويلة لا أشعر بجسدي إلا حين أخطئ، وقد كرهت جسدي، وبقيتُ فترة لم أعد فيها مبالياً بشيء حتى عندما أتعثر أُحمِّل خطواتي خطأ حساباتي.
- في أيام دراستي في المدرسة كان يشدني ويلفت انتباهي بعض ما كان يكتبه الأستاذ منير فاشة في مجلة "نشرة في الرياضيات"، التي كانت تصدر عن لجنة تطوير الرياضيات المدرسية في السبعينيات، مع أني لم أكن أفهم كل ما يكتب، ولكن شعرت أن ما يكتبه يكسر المألوف:
> "إن الرياضيات المعروضة للبيع في الكتب المنهجية هي هيكل فقد روحه. هي تماماً كالأصنام المعروضة في واجهة المحال التجارية: فعلى الرغم من أن مقاييسها نموذجية ولها الكثير من الصفات المحببة، فإنها تفتقر إلى الروح والحياة. هدفنا أن تُصبح الرياضيات بعد عشر سنوات أو عشرين سنة شيقة للأطفال مثل قصصهم ... هدفنا أن يحكيها الآباء والأمهات لأطفالهم قبل النوم، وعندما يلعبون معهم ... هدفنا أن يعرف الصغير ابن الثامنة عن موضوع واحد على الأقل أكثر من والديه ومعلميه".
> "كنت مخطئاً حين اعتقدت أن الرياضيات موضوع محايد لا علاقة له بالسلطة ولا بالحضارة. يجب أن ننتبه في دول العالم الثالث من السير في الطريق الذي ساره الغرب من تمجيد المعرفة المنعزلة عن الحضارة والذات والمشاعر ... لهذا يجب أن يكون تعليم الرياضيات مفتوحاً، وإعادة تثقيف المعلم وليس تدريبه هي الشرط الأهم في ذلك".
> "حتى في الرياضيات لا توجد حقائق مطلقة، والذي يُحدد الحقيقة هو السياق ... فمثلاً؛ واحد لا يُساوي واحداً، والذي يُحدد صحة هذه العبارة هو السياق، فتفاحة جيّدة لا تُساوي تفاحة خربانة ... إن تدريس الرياضيات بمعزل عن الحياة ودون سياقات حقيقية يُعطي نوعاً من الأمان، ولكن في الوقت نفسه يُكرس العزلة... . إن الأفكار والنظريات التي تُدرس بشكل مجرد أو بشكل عام، تكون مقبولة لدى معظم الناس، ولكن عند التطبيق يختلف الناس عليها ويتقاتلون".
> يجب ألا نسأل الطلبة إذا كانت هذه العبارة صحيحة أم خاطئة، بل يجب أن نبحث متى تكون صحيحة وفي أي ظروف" ... يجب أن نُشجع أكثر أسئلة مثل أيهما تُحب أكثر 2 أم 5 ولماذا؟
(في إحدى مقالاته التي نُشرت في جريدة القدس في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، توصل إلى أن الطلبة المحافظين في تفكيرهم وعاداتهم يميلون إلى دراسة الرياضيات". الكثير من الناس، وبخاصة العلميين منهم قالوا له كيف عرفت؟ هل قست؟ هل أخذت عينة عشوائية؟ هل أجريت دراسة؟)
على الرغم من أنني لم أفهم معظم ما كتبه منير، فإن ما قرأته أثار في داخلي أسئلة حيّرتني:
ما معنى أن تكون للرياضيات علاقة بالسلطة؟ ما معنى أن تكون للرياضيات علاقة بالحضارة؟ ماذا يعني تمجيد الغرب للمعرفة المنعزلة؟ ما معنى عدم وجود حقائق مطلقة في الرياضيات؟ ... هل يمكن مثلاً أن يكون جواب صحيحاً في سياقٍ ما وخاطئاً في سياق آخر؟ هل تحتمل الرياضيات التناقض؟ هل يُمكن للواحد أن لا يساوي الواحد؟ هل الفيل الواحد مثل الفيروس الواحد؟ هل المسافة بين الماضي والحاضر هي نفسها بين الحاضر والمستقبل (خيل لي لفترة من الزمن أن هذه المسافة في الحالتين غير متناهية وتداعت أفكاري لأسأل نفسي ماذا يعني غير متناهٍ؟ وتعمَّق تفكيري، وحدست أن هناك غير متناهٍ في الكبر لا يُساوي غير متناهٍ في الكبر آخر، ولكن ما هي الأشياء غير المتناهية في الكبر؟ وما دام هناك غير متناه في الكبر إذن هناك أشياء غير متناهية في الصغر؟ وقد تصدّع رأسي في التفكير بالاثنتين معاً، وعندما كنت أسأل أحدهم تكون الإجابة من قبيل: الأشياء المتناهية في الكبر هي النجوم والمجرات، والأشياء المتناهية في الصغر هو الإنسان في هذا العالم أو حبّة التراب أو ستعرف عندما تدرس رياضيات أو فيزياء في الجامعة.. الخ).
حين ارتحلت إلى الجامعة بكل هذا الإرث الإشكالي وكل هذه الأسئلة حول الرياضيات ومعناها، تخصصت في الرياضيات؛ لا رغبة في استدراك إجابات عن أسئلة شغلتني، وإنما لأن معدّلي بالمفهوم الاجتماعي يؤهلني لمهمة من هذا العيار الثقيل، مع أن هاجس دراسة الأدب كان يستحوذ على تفكيري وقتذاك. في الجامعة بدأتُ أتلمس انغلاق الموضوعات الرياضية والعلمية عموماً على النظري والمجرد، وانحصار التعليم في اليقينيات والمطلق وغياب السياق، وبدا لي المنطق الرياضي بنوره الشديد يمحي كل منطقة ظليلة أو حافة غامضة تقبل التناقض أو تتسامح مع اللايقين، كما بدت لي الرياضيات وعلوم الطبيعة أبعد من أن تطالها عواطف الإنسان وثقافته، وقد تمنيت أن أرى مثلاً في مساق الهندسية الفراغية شيئاً عن الفلك. ليس فقط وصفاً لأشكال وعرضاً لمعادلات قوى الجذب والدوران، بل أيضاً وصف لكيمياء العقل وفلك النفس والوجدان. وسرعان ما اكتشفت أن تخصص الرياضيات لا يُناسبني. ولكن التحويل إلى كلية الآداب يعني من وجهة نظر بعضهم هبوطاً من تخصص صلب منيع إلى تخصص رخو، بما يحمل ذلك من مواضعات اجتماعية. وبقيتُ في حصن الرياضيات المنيع.
(كم تمنيتُ وقتذاك أن يكون هناك تخصص يجمع الرياضيات بالآداب ... يجمع بين تخصص الرياضيات كأقصى حدود التمثيل التجريدي واليقين، وبين الأدب حيث الوجود لغة تحمل كل لايقيناتها!).
امتهنت مهنة التعليم، ويبدو أن تأثير المدرسة والجامعة لا يكمن في المادة التي تُعلِّمها بقدر ما يكمن في فرض التعود على نموذج محدد من التفكير والسلوك، وقد تعودتُ على ممارسات أقرب لتلك التي كان يُمارسها معلمونا في المدرسة والجامعة، فحصر الرياضيات في النظريات والقوانين والأسئلة المجردة، ونزع المفاهيم من السياق، والقيام بتجزئة المادة وتبسيطها، والمبالغة في الدقة والتفاصيل، كانت في مستوى القانون الطبيعي بالنسبة لي، وبخاصة في بدايات عملي، وكثيراً ما كنتُ أقف عاجزاً أمام أسئلة من نوع لماذا، وأستحسن أسئلة من نوع كيف، وكانت أسئلة مثل: من أين جاء هذا القانون أو ما قصة هذه النظرية؟ ما معنى هذا القانون؟ إلى متى يبقى هذا الجواب صحيحاً؟ ما الذي جعل فلان يفكر في هذا البرهان؟ ... مثل هذه الأسئلة كانت تستفزني وترفع من منسوب الرغبة في البحث، ومع ذلك فغالباً ما كنتُ أتجاهلها وأعتبر أن موضوعاتها أُموراً زائدة عن الحاجة، ويبدو أن الرغبة في تجاهل المعرفة تُعادل الرغبة فيها، وبخاصة إذا كان الإنسان واقعاً تحت ضغط الواجب الوظيفي وسلطة العادة.
أتذكر في هذا المجال الطالبة هديل ... التي كان يعتبرها بعض المعلمين متعالية وبعضهم الآخر يعتبرها جريئة ... أتذكرها عندما وقفت في الصف العاشر، وقالت بلهجة احتجاجية:
كل ما نسألك عن أصل هذه النظرية أو عن قصتها أو عن معناها أو عن شكل ارتباطها في الواقع تتهرب من الجواب ... أو تبدأ بحل سؤال تعتبره تطبيقاً على النظرية، وتهتم بالتفاصيل والوصول إلى الجواب الصحيح ... هل علموكم في الجامعة كيف تحلّون أسئلة فقط؟ أنا يا أستاذ أعرف أحل أسئلة ... أعرف كيف أصل إلى الجواب الصحيح، ومع ذلك لا أرى أنها تضيف معنى لهذه القوانين والنظريات ... .
حاولت أن أدافع عن الرياضيات وأنا في الواقع أدافع عن نفسي، فحاولت تبيان بعض التطبيقات للموضوع ... قاطعتني هديل، وقالت:
لا أشك في أن لها تطبيقات في الواقع والحياة، ولكن ما يهمني أولاً أن يكون لها معنى بالنسبة لي ... ويؤسفني أن أخبرك وقد اخترتموني للقسم العلمي أن مادة الرياضيات عموماً لا تُطاوع عقلي، وكلما أحاول تطويعها تتكسر النظريات والقوانين في داخلي وتُصبح دون معنى. بتعرف ليش يا أستاذ؟ لأنها باردة وصلبة وجامدة كالتماثيل، والتماثيل عندما تُحاول تطويعها تنكسر.
الاستاذ هلال- مدرس / مدرسة رياضيات
- عدد المساهمات : 8
نقاط : 4543
تاريخ التسجيل : 20/07/2012
العنوان : العراق
العمل : مدرس
في تعلّم الرياضيات وتعليمها بحث جاهز منقول :: تعاليق
من الأشياء التي أتذكرها في أثناء ممارستي لمهنة التعليم، انشداد الطلبة عند استخدام اللغة العادية في تدريس المفاهيم والنظريات كأن أقول مثلاً إن هذه الإشارة سيجما لما نمطها بتصير زي حرف أس، الانحراف المعياري هو أداة لقياس قديش القيم بعيدة عن بعض، أو أن هذه اللانهاية بشعة أو تلك اللانهاية ناعمة ... أو عند استخدام التشبيهات والمجاز كأن أشبه الأعداد بالبشر، أو أشبهها بأشجار الغابات، أو عندما أقدم مفهوماً أو نظرية من خلال قصة؛ كنت أنتبه إلى الفارق النوعي في التفاعل الذي يُحدثه استخدام اللغة الطبيعية، كنتُ ألحظ اطمئنانهم وشعورهم بالألفة ورغبتهم في التعبير والخروج عن سياق الحصة. أتذكر في إحدى حصص الصف الحادي عشر، وفي درس أنظمة العد قلت إن الصفر وبمجرد وقوفه على يمين الأرقام ينقلها من مرتبة إلى مرتبة، ويزيد من أهميتها، وبمجرد وقوفه على يسارها يكون نقطة عديمة الأهمية، بينما يكون عدماً حين يكون وحيداً. بعض الطالبات سلّموا بما قلت، أصلاً لم أقل شيئاً غير عادي، ولكن ربما استخدمت لغة أقل رياضية من المألوف. الطالبة نورس كانت تنظر إلى الجانب الآخر من الأمر، فسألت: هل الأرقام جعلت الصفر بهذه الأهمية أم هو الذي أعطى هذه الأرقام تلك المرتبة؟ ما شجع عالية على الاستفسار عن علاقة الصفر بالعدم، ورنان سألت عن إمكانية تُحول الكميات المتناهية في الصغر صفراً، وتداعت الأفكار لدى يُسرى وقالت إن عكس معنى متناهٍ في الصغر متناهٍ في الكبر، واستفسرت إذا ما كانت هذه الكميات -المتناهية في الكبر- متساوية. الآن أقر أن استخدامي للغة الطبيعية في تقديم الدروس لم تكن لخدمة هدف بنائي لموضوع الدرس، بل كانت في مجملها ممارسات برانية ارتجالية لا تتجاوز في أحسن الأحوال هدف إثارة اهتمام الطلبة بموضوع الدرس.
في بداية عملي باحثاً في مركز القطان تشبثتُ بإرثي، وقد أعلنتُ تحيّزي للأبحاث الكمية، وتبيّن لي بعد مرور سنة من العمل بؤس هذه اللعبة البحثية، وقد أعلنت الحرب على تحيُّزي هذا مبتدئاً بتفكيك مكونات البحث الكمي من الفرضية الصفرية، إلى الإطار النظري، إلى حدود البحث، إلى التصميم، فالأداة، فالتحليل الإحصائي، حتى التوصيات، ومنتهياً بتقويض إيماني بالرقم، حيث لم أعد أفهم هذا الإعجاب النمطي بالدقة والرقم. لم أعد أرضى بالتضحية بتكامل الظواهر الإنسانية ذات العلاقات الديناميكية المتشابكة والمتذبذبة وتحويلها إلى أشياء مستقيمة وجامدة، لكي تُقاس بالمسطرة، وتأخذ نتيجة رقمية. لم أعد أقبل أن تكون النتيجة كلّية الأهمية، فبناءً على فروق أل 0.001 مثلاً، نرفض أشياء ونقبل أخرى، وعلى أساس هذه النتيجة تؤخذ قرارات أو تُطور إستراتيجيات. هذا عبثي وغير معقول. عندما تكون النتيجة كلية الأهمية تنفصل الوسيلة عن غايتها. الناس يشنون الحرب من أجل السلام. هل من شيء يفوق ذلك عبثاً ولا معقولية!
كل حدث في حياة الإنسان هو فرصة للتعلَّم، والأحداث لا تعلِّم دون استناد جدلي إلى حاضر يحولها من نظرة إلى فكرة إلى فعل إلى نظرة مرة أخرى، دون أن تكون هناك فرصة لتحويل هذا المفتت في الماضي إلى مكثف في الحاضر، ولعلّ التجربة البحثية -غير الكمية- مع زميلتي ليانا "ثقافة الرياضيات ... رياضيات ذات معنى"، التي استمرت ثلاث سنوات، وشارك فيها معلمون ومعلمات1 من مدارس خاصة وحكومية في لواء رام الله، قد وفرت لي الفرصة في لملمة الأحداث المبعثرة في دائرة الداخل، حيث امتزجت كلها بحوارات وقراءات وتأملات، وتحولت إلى كتابات وورش عمل ومواد تعليمية، تجاوزت التأمل والإنصات إلى الذات في أقصى حدودها، أقول تجاوزتها إلى الفكر، وقد تخطتها إلى القصد في الممارسة في حدها الممكن.
الآن، وفي ضوء التجربة والخبرة والعمل، وفي سياق موصول بتلك النتف والأحداث التي تطرقتُ إليها في هذه الورقة، أقدّم قناعاتي ورؤيتي في موضوع تعليم الرياضيات وتعلمها:
> إن الرياضيات حتى يتم تعليمها يجب أن يكون لها معنى، وحتى يكون لها معنى يجب أن تُعلّم كموضوع مفتوح على المعارف والعلوم. على الثقافي والنفسي والاجتماعي، دون أن تكون محصورة في عالم من الرموز والمجردات، فالمجرد والشكلي لا يُعطي مجالات للتعلم، ولا يوفّر كفاية للتواصل الحقيقي، التجريد لا يعكس قوة في التفكير، وإن كان فضعف بالتعبير- على حد تعبير منير فاشه- وبالتالي يجب تقديم الرياضيات في سياقات حقيقية وواقعية وأصيلة وكمركب يُدمج في منظومة تشمل اللغة العادية، والصيغ، والرموز الرياضية، والتمثيلات والممارسات الاجتماعية، فالمعنى لا يُمكن أن يكون خارج علاقة الإنسان بالعالم.
> إن إزالة السياق بهدف التعميم هو من جوهر الرياضيات والعلوم الغربية، حيث يتم نزع القضايا من سياقاتها وتبسيطها وتفكيكها وإخضاعها لقوانين ومبادئ موضوعية، وصولاً إلى تعميمات وصيغ ومعادلات آمنة ولكنها خارجة عن المكان والزمان. غياب السياق شيء مألوف في مناهجنا المدرسية، حيث تتحول النظريات والقوانين إلى تماثيل جامدة تتكسر، والأرقام إلى أشياء صماء تتسيد ولا تخدم.
> وجود سياق واقعي وحقيقي للموضوع الرياضي يجعلنا نرى القوانين والنظريات والمفاهيم ضمن واقع حي يخضع لتنظيم مُركب وثري لا يُمكن تبسيطه في رؤية آلية تحكمها قوانين خطية ومبادئ تبسيطية، وبالمنطق نفسه الذي يحكم الآلة. لهذا، ففي السياق الواقعي لا توجد حقائق مطلقة، يُمكن أن يكون الواحد لا يُساوي الواحد مثلاً، يُمكن أن تكون هذه النتيجة صحيحة في هذا السياق، وأقل صحة في سياق آخر، وخاطئة في سياق ثالث. وإذا كان المنطق الرياضي يلائم بعض مظاهر الواقع الظاهراتي، فإنه لا يلائم مظاهر الواقع المركبة، التي تتطلب منطقاً يرى الواقع دائرة ولا يراه خطاً مستقيماً.
> القصة ليست حكياً فاضياً أو شيئاً برّانياً، بل هي سياق من شأنه تمكين الطلبة من ممارسة أفعال التعبير بأقصى الطاقات، وبالتالي فنجاح تقديم مفاهيم رياضية داخل نص قصصي يُساعد الطلبة على استيعاب المفهوم في سياق ديناميكي تتعدد فيه المعاني وتختلف المنظورات، حيث تظهر المفاهيم الرياضية كأفكار اجتماعية المنشأ، وهذا يُتيح فرصة للطلبة لكي يُطوروا معانيهم الذاتية في الموضوع. وعبر النص القصصي أيضاً تتوفر الفرصة لتجاوز الجواب الواحد والطريقة الواحدة ويتحرر الطلبة من ممارسات مقيدة بالقوانين والقواعد والخوارزميات التي ترسخ نزعة جامدة ومنطقاً ثنائياً في التعامل مع المسائل والمشكلات الرياضية، وتُغيّيب الإنتاج الشخصي. كذلك اللغة الطبيعية تُعتبر مجالاً واسعاً لتعليم رياضيات ذات معنى، فاستعمالها في حصة الرياضيات ليس أمراً زائداً، بل هو أمر أساسي، حيث اللغة الطبيعية هي الجسد الحسي الذي يوفر للموضوعات الرياضية سمات الوجود وإمكانات الحياة، فلا يجوز حشر الطلاب ضمن عالم من الإشارات والرموز ومصطلحات تفتقر إلى الحيوية، ونحاسبه إذا لم يستعملها عندما نُقيّم قدرتهم على استعمال هذه الإشارات والرموز. إن اللغة الطبيعية تُخفض عملية تعليم الرياضيات من تعاليها السماوي، وتسلك بها سلوكاً أرضياً، تُبني على أساسه المعاني وتفتح المجال للطلبة لتجاوز المجال الرياضي والنظر إلى جوانب أخرى من المعرفة. وعليه، فعلى المعلم توظيف اللغة ذات المعنى من أجل تطوير المعنى للغة الرياضية.
> قد يكون من الضروري الحفاظ على الدقة الرياضية وتعويد الطلاب على أهميتها، ومع ذلك يجب الاختصار في بعض الأحيان. إن شرحاً دقيقاً وصحيحاً وحرفياً بشكل كامل، وبالتالي أطول وأصعب بالضرورة، غالباً ما يحجب المعنى بدل من أن يُظهره. فالإغراق في الخطوات والتفاصيل كمن يعد الأشجار دون أن يرى الغابة، ولهذا فإهمال بعض التفاصيل أو الشروح الصغيرة التي يُطلب من الطالب أن يعرفها، أمر يُساعده في إضفاء المعاني على ما يتعلمه دون أن يحفظ التمرين أو البرهان أو الطريقة، بل يُفكر فيها ويطرح التساؤلات.
وأخيراً، مع إيماني أن المعرفة نتاج ممارسة ذاتية عبر الآخر الحاضر دوماً فينا، وتأمل في التجربة عبوراً وتنافذاً، فإنني في الوقت ذاته أعتقد أن تجاربنا تظل ناقصة من دون الانفتاح على ما يكتب في حقول المعرفة الإنسانية كافة، هذا مع إيماني أن الرياضيات لصيقة إلى الفلسفة والأدب والفن. إن قراءة كل كتاب قد تكون فرصة للتحديق في المناطق المظلمة التي تكتنفها العتمة، ويُغطيها السؤال، وتترك أثراً في النفس، فأنا لا أستطيع أن أخفي ما تركته القراءات في نفسي؛ فسارتر حفر في داخلي السؤال العادي، وألبير كامو أوحى لي بكم يكون الإنسان غريباً إذا فسر الأشياء بالمنطق المألوف ... وعبد الرحمن منيف بيّن لي إمكانية تعليم التاريخ نصاً روائياً قابلاً للتأويل، وابن عربي بيّن لي الفرق بين الكميات المتناهية في الكبر وتلك المتناهية في الصغر، وكيف يُمكن أن تحوي الثانية الأولى (وتزعم أنك جرم صغير وقد انطوى فيك الكون الأكبر)، أما تولستوي فأوحى لي بإمكانية تحميل المفاهيم الرياضية والعلمية صفات النفس الإنسانية، وأدهشني باشلار بقدرته الكاسحة على إيصال الأفكار العقلانية إلى مختبرات الشعر بطريقة تأملية علمية شاعرية، جمعت بين الاستعارة العلمية والبرهان الأدبي.
إن البعد كمسافة يمنحنا فرصة أوسع للتأمل والتفكير والنظر إلى الخلف بعقل مفتوح، وإلى الأمام بحس وأمنية. عندما ألتفت إلى الخلف أرى أن تجربتي في التدريس كانت مجرد معادلات رياضية بسيطة، يجب أن يأتي أحد أطرافها علامات ونتائج وتحصيلاً مهما كانت أطرافها الباقية! ...وهنا أتساءل عن الفائدة من قضاء السنوات في اجتياز حروف النظريات وفواصلها؟ عن معنى هذه التفسيرات الحرفية القاتلة .(ألم يقل أحدهم أن الحرف يقتل أما الكلمة فتحيي!).
عندما أنظر إلى الأمام أتمنى العودة إلى المدارس نفسها التي كنت فيها طالباً أو معلماً، وأكون مع أساتذتي وطلبتي لأحاول اكتشاف تلك الأخطاء التي لم أقترفها وكبلتني، وتلك التي اقترفتها وزادت من تكبيل غيري، لعلّي أغيّر من بعض القناعات أو بعض الاتجاهات، وإلاّ .... ما الفائدة من هذه الأخطاء إذا لم تكن هذه الأخطاء ارتطاماً لتعديل الاتجاهات وتغيير القناعات. تلك القناعات التي تربيتُ عليها أو ربيت غيري عليها، والتي تكفلت التجربة والممارسة بنقدها بعد ذلك!
في بداية عملي باحثاً في مركز القطان تشبثتُ بإرثي، وقد أعلنتُ تحيّزي للأبحاث الكمية، وتبيّن لي بعد مرور سنة من العمل بؤس هذه اللعبة البحثية، وقد أعلنت الحرب على تحيُّزي هذا مبتدئاً بتفكيك مكونات البحث الكمي من الفرضية الصفرية، إلى الإطار النظري، إلى حدود البحث، إلى التصميم، فالأداة، فالتحليل الإحصائي، حتى التوصيات، ومنتهياً بتقويض إيماني بالرقم، حيث لم أعد أفهم هذا الإعجاب النمطي بالدقة والرقم. لم أعد أرضى بالتضحية بتكامل الظواهر الإنسانية ذات العلاقات الديناميكية المتشابكة والمتذبذبة وتحويلها إلى أشياء مستقيمة وجامدة، لكي تُقاس بالمسطرة، وتأخذ نتيجة رقمية. لم أعد أقبل أن تكون النتيجة كلّية الأهمية، فبناءً على فروق أل 0.001 مثلاً، نرفض أشياء ونقبل أخرى، وعلى أساس هذه النتيجة تؤخذ قرارات أو تُطور إستراتيجيات. هذا عبثي وغير معقول. عندما تكون النتيجة كلية الأهمية تنفصل الوسيلة عن غايتها. الناس يشنون الحرب من أجل السلام. هل من شيء يفوق ذلك عبثاً ولا معقولية!
كل حدث في حياة الإنسان هو فرصة للتعلَّم، والأحداث لا تعلِّم دون استناد جدلي إلى حاضر يحولها من نظرة إلى فكرة إلى فعل إلى نظرة مرة أخرى، دون أن تكون هناك فرصة لتحويل هذا المفتت في الماضي إلى مكثف في الحاضر، ولعلّ التجربة البحثية -غير الكمية- مع زميلتي ليانا "ثقافة الرياضيات ... رياضيات ذات معنى"، التي استمرت ثلاث سنوات، وشارك فيها معلمون ومعلمات1 من مدارس خاصة وحكومية في لواء رام الله، قد وفرت لي الفرصة في لملمة الأحداث المبعثرة في دائرة الداخل، حيث امتزجت كلها بحوارات وقراءات وتأملات، وتحولت إلى كتابات وورش عمل ومواد تعليمية، تجاوزت التأمل والإنصات إلى الذات في أقصى حدودها، أقول تجاوزتها إلى الفكر، وقد تخطتها إلى القصد في الممارسة في حدها الممكن.
الآن، وفي ضوء التجربة والخبرة والعمل، وفي سياق موصول بتلك النتف والأحداث التي تطرقتُ إليها في هذه الورقة، أقدّم قناعاتي ورؤيتي في موضوع تعليم الرياضيات وتعلمها:
> إن الرياضيات حتى يتم تعليمها يجب أن يكون لها معنى، وحتى يكون لها معنى يجب أن تُعلّم كموضوع مفتوح على المعارف والعلوم. على الثقافي والنفسي والاجتماعي، دون أن تكون محصورة في عالم من الرموز والمجردات، فالمجرد والشكلي لا يُعطي مجالات للتعلم، ولا يوفّر كفاية للتواصل الحقيقي، التجريد لا يعكس قوة في التفكير، وإن كان فضعف بالتعبير- على حد تعبير منير فاشه- وبالتالي يجب تقديم الرياضيات في سياقات حقيقية وواقعية وأصيلة وكمركب يُدمج في منظومة تشمل اللغة العادية، والصيغ، والرموز الرياضية، والتمثيلات والممارسات الاجتماعية، فالمعنى لا يُمكن أن يكون خارج علاقة الإنسان بالعالم.
> إن إزالة السياق بهدف التعميم هو من جوهر الرياضيات والعلوم الغربية، حيث يتم نزع القضايا من سياقاتها وتبسيطها وتفكيكها وإخضاعها لقوانين ومبادئ موضوعية، وصولاً إلى تعميمات وصيغ ومعادلات آمنة ولكنها خارجة عن المكان والزمان. غياب السياق شيء مألوف في مناهجنا المدرسية، حيث تتحول النظريات والقوانين إلى تماثيل جامدة تتكسر، والأرقام إلى أشياء صماء تتسيد ولا تخدم.
> وجود سياق واقعي وحقيقي للموضوع الرياضي يجعلنا نرى القوانين والنظريات والمفاهيم ضمن واقع حي يخضع لتنظيم مُركب وثري لا يُمكن تبسيطه في رؤية آلية تحكمها قوانين خطية ومبادئ تبسيطية، وبالمنطق نفسه الذي يحكم الآلة. لهذا، ففي السياق الواقعي لا توجد حقائق مطلقة، يُمكن أن يكون الواحد لا يُساوي الواحد مثلاً، يُمكن أن تكون هذه النتيجة صحيحة في هذا السياق، وأقل صحة في سياق آخر، وخاطئة في سياق ثالث. وإذا كان المنطق الرياضي يلائم بعض مظاهر الواقع الظاهراتي، فإنه لا يلائم مظاهر الواقع المركبة، التي تتطلب منطقاً يرى الواقع دائرة ولا يراه خطاً مستقيماً.
> القصة ليست حكياً فاضياً أو شيئاً برّانياً، بل هي سياق من شأنه تمكين الطلبة من ممارسة أفعال التعبير بأقصى الطاقات، وبالتالي فنجاح تقديم مفاهيم رياضية داخل نص قصصي يُساعد الطلبة على استيعاب المفهوم في سياق ديناميكي تتعدد فيه المعاني وتختلف المنظورات، حيث تظهر المفاهيم الرياضية كأفكار اجتماعية المنشأ، وهذا يُتيح فرصة للطلبة لكي يُطوروا معانيهم الذاتية في الموضوع. وعبر النص القصصي أيضاً تتوفر الفرصة لتجاوز الجواب الواحد والطريقة الواحدة ويتحرر الطلبة من ممارسات مقيدة بالقوانين والقواعد والخوارزميات التي ترسخ نزعة جامدة ومنطقاً ثنائياً في التعامل مع المسائل والمشكلات الرياضية، وتُغيّيب الإنتاج الشخصي. كذلك اللغة الطبيعية تُعتبر مجالاً واسعاً لتعليم رياضيات ذات معنى، فاستعمالها في حصة الرياضيات ليس أمراً زائداً، بل هو أمر أساسي، حيث اللغة الطبيعية هي الجسد الحسي الذي يوفر للموضوعات الرياضية سمات الوجود وإمكانات الحياة، فلا يجوز حشر الطلاب ضمن عالم من الإشارات والرموز ومصطلحات تفتقر إلى الحيوية، ونحاسبه إذا لم يستعملها عندما نُقيّم قدرتهم على استعمال هذه الإشارات والرموز. إن اللغة الطبيعية تُخفض عملية تعليم الرياضيات من تعاليها السماوي، وتسلك بها سلوكاً أرضياً، تُبني على أساسه المعاني وتفتح المجال للطلبة لتجاوز المجال الرياضي والنظر إلى جوانب أخرى من المعرفة. وعليه، فعلى المعلم توظيف اللغة ذات المعنى من أجل تطوير المعنى للغة الرياضية.
> قد يكون من الضروري الحفاظ على الدقة الرياضية وتعويد الطلاب على أهميتها، ومع ذلك يجب الاختصار في بعض الأحيان. إن شرحاً دقيقاً وصحيحاً وحرفياً بشكل كامل، وبالتالي أطول وأصعب بالضرورة، غالباً ما يحجب المعنى بدل من أن يُظهره. فالإغراق في الخطوات والتفاصيل كمن يعد الأشجار دون أن يرى الغابة، ولهذا فإهمال بعض التفاصيل أو الشروح الصغيرة التي يُطلب من الطالب أن يعرفها، أمر يُساعده في إضفاء المعاني على ما يتعلمه دون أن يحفظ التمرين أو البرهان أو الطريقة، بل يُفكر فيها ويطرح التساؤلات.
وأخيراً، مع إيماني أن المعرفة نتاج ممارسة ذاتية عبر الآخر الحاضر دوماً فينا، وتأمل في التجربة عبوراً وتنافذاً، فإنني في الوقت ذاته أعتقد أن تجاربنا تظل ناقصة من دون الانفتاح على ما يكتب في حقول المعرفة الإنسانية كافة، هذا مع إيماني أن الرياضيات لصيقة إلى الفلسفة والأدب والفن. إن قراءة كل كتاب قد تكون فرصة للتحديق في المناطق المظلمة التي تكتنفها العتمة، ويُغطيها السؤال، وتترك أثراً في النفس، فأنا لا أستطيع أن أخفي ما تركته القراءات في نفسي؛ فسارتر حفر في داخلي السؤال العادي، وألبير كامو أوحى لي بكم يكون الإنسان غريباً إذا فسر الأشياء بالمنطق المألوف ... وعبد الرحمن منيف بيّن لي إمكانية تعليم التاريخ نصاً روائياً قابلاً للتأويل، وابن عربي بيّن لي الفرق بين الكميات المتناهية في الكبر وتلك المتناهية في الصغر، وكيف يُمكن أن تحوي الثانية الأولى (وتزعم أنك جرم صغير وقد انطوى فيك الكون الأكبر)، أما تولستوي فأوحى لي بإمكانية تحميل المفاهيم الرياضية والعلمية صفات النفس الإنسانية، وأدهشني باشلار بقدرته الكاسحة على إيصال الأفكار العقلانية إلى مختبرات الشعر بطريقة تأملية علمية شاعرية، جمعت بين الاستعارة العلمية والبرهان الأدبي.
إن البعد كمسافة يمنحنا فرصة أوسع للتأمل والتفكير والنظر إلى الخلف بعقل مفتوح، وإلى الأمام بحس وأمنية. عندما ألتفت إلى الخلف أرى أن تجربتي في التدريس كانت مجرد معادلات رياضية بسيطة، يجب أن يأتي أحد أطرافها علامات ونتائج وتحصيلاً مهما كانت أطرافها الباقية! ...وهنا أتساءل عن الفائدة من قضاء السنوات في اجتياز حروف النظريات وفواصلها؟ عن معنى هذه التفسيرات الحرفية القاتلة .(ألم يقل أحدهم أن الحرف يقتل أما الكلمة فتحيي!).
عندما أنظر إلى الأمام أتمنى العودة إلى المدارس نفسها التي كنت فيها طالباً أو معلماً، وأكون مع أساتذتي وطلبتي لأحاول اكتشاف تلك الأخطاء التي لم أقترفها وكبلتني، وتلك التي اقترفتها وزادت من تكبيل غيري، لعلّي أغيّر من بعض القناعات أو بعض الاتجاهات، وإلاّ .... ما الفائدة من هذه الأخطاء إذا لم تكن هذه الأخطاء ارتطاماً لتعديل الاتجاهات وتغيير القناعات. تلك القناعات التي تربيتُ عليها أو ربيت غيري عليها، والتي تكفلت التجربة والممارسة بنقدها بعد ذلك!
مواضيع مماثلة
» الرياضيات الحديثة طريقة لتعلُّم الرياضيات وتعليمها
» دورة لمشرفي الرياضيات في أربيل من قبل منظمة يونسكو ( منقول )
» رسالة حب من رياضياتي الى حبيبته - منقول -
» بحث جاهز بأسم ما المقصود بالرياضيات ؟ للتحميل المباشر
» ماهي الرياضيات؟ تعليم الرياضيات بطريقة مبسطة سلسلة
» دورة لمشرفي الرياضيات في أربيل من قبل منظمة يونسكو ( منقول )
» رسالة حب من رياضياتي الى حبيبته - منقول -
» بحث جاهز بأسم ما المقصود بالرياضيات ؟ للتحميل المباشر
» ماهي الرياضيات؟ تعليم الرياضيات بطريقة مبسطة سلسلة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين ديسمبر 12, 2022 4:15 pm من طرف كاظم الغزي
» كيفية انشاء اختبار الكتروني للطلاب على كوكل ذاتي التصحيح
الخميس ديسمبر 31, 2020 3:20 pm من طرف رائد الكرادي
» القطع الناقص اهم الملاحظات واهم الامثلة الوزارية
الأربعاء ديسمبر 30, 2020 5:39 pm من طرف رائد الكرادي
» حل معادلات الخطوة الواحدة التي تحوي جمع او طرح للصف الاول المتوسط / مدارس المتميزين
الثلاثاء ديسمبر 22, 2020 8:30 pm من طرف رائد الكرادي
» نتيجة مبرهنة ديموافر / للصفين السادس الاحيائي والتطبيقي
الإثنين ديسمبر 21, 2020 9:38 pm من طرف رائد الكرادي
» شرح مبرهنة ديموافر مع الامثلة
الأحد ديسمبر 20, 2020 10:36 pm من طرف رائد الكرادي
» اثرائيات في الاعداد المركبة /دروس مصورة
الأحد ديسمبر 20, 2020 3:12 pm من طرف رائد الكرادي
» شكر وتقدير ﻻستاذنا رائد الكرادي
الأحد ديسمبر 20, 2020 3:11 pm من طرف رائد الكرادي
» الدروس المصورة //التكامل - المحاضرة الاولى تطبيقي - الاستاذ رائد الكرادي
الأحد مارس 03, 2019 7:15 am من طرف رائد الكرادي
» الدروس المصورة// التكامل - المحاضرة الاولى احيائي - الاستاذ رائد الكرادي
الأحد مارس 03, 2019 7:15 am من طرف رائد الكرادي
» سلسلة اسئلة الصف السادس الابتدائي وزاريات
الثلاثاء يوليو 24, 2018 5:43 pm من طرف سامر جنوب
» خواص الأشكال الرباعية ( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الثلاثاء يونيو 19, 2018 11:23 am من طرف سامر جنوب
» حل درس قراءة الأعداد العشرية وكتابتها الرياضيات الصف الخامس الأساسي ص 99, 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الثلاثاء يونيو 19, 2018 11:12 am من طرف سامر جنوب
» حل درس شبكة الإحداثيات الرياضيات الصف الخامس الأساسي ص 8 , 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الثلاثاء يونيو 19, 2018 11:02 am من طرف سامر جنوب
» الاعداد المركبة الدرس الثالث
الإثنين يونيو 18, 2018 2:34 pm من طرف رائد الكرادي
» الاعداد المركبة الدرس الثاني
الإثنين يونيو 18, 2018 2:33 pm من طرف رائد الكرادي
» الاعداد المركبة الدرس الاول
الإثنين يونيو 18, 2018 2:30 pm من طرف رائد الكرادي
» حل درس جمع الكسور وطرحها الرياضيات الصف الخامس الأساسي ص94 , 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الجمعة يونيو 15, 2018 11:31 am من طرف سامر جنوب
» حل درس تقريب الأعداد الطبيعية الرياضيات الصف الخامس الأساسي ص20 , 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الجمعة يونيو 15, 2018 11:16 am من طرف سامر جنوب
» حل درس التمثيلات البيانية بالخطوط الصف الخامس الأساسي ص 12 , 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الجمعة يونيو 15, 2018 11:05 am من طرف سامر جنوب
» حل درس الأعداد الطبيعية الرياضيات الصف الخامس الأساسي ص 15 , 2018 - 2019( المعلم سامر إبراهيم جنوب )
الجمعة يونيو 15, 2018 10:55 am من طرف سامر جنوب
» موقع منتدى بابل للرياضيات
الخميس أكتوبر 19, 2017 3:24 pm من طرف محمد عودة
» الاسس والجذور الجزء الاول - الرابع العلمي 2016
الثلاثاء أكتوبر 10, 2017 12:42 am من طرف وردالداليا
» دليل المدرس للصف الاول الكتاب الجديد 2016 - 2017 كل فصل على حدة
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 6:40 am من طرف علي الطائي
» المنهج الجديد للصف السادس الابتدائي 2018 - 2019
الثلاثاء سبتمبر 26, 2017 6:30 am من طرف علي الطائي
» تمارين في الجبر 2 عبد الهادي العمار
الثلاثاء سبتمبر 19, 2017 10:45 am من طرف محمد عودة
» ملزمة الوجيز للصف الخامس pdf
الخميس يوليو 20, 2017 10:49 am من طرف محمد عودة
» اسئلة الدور الاول - رياضيات سادس ادبي اليوم 2016 - وزاري اليوم
الثلاثاء يوليو 11, 2017 11:00 pm من طرف ام داليا
» أوجد مجموعة الحل للمعادلات الاتية ( من المناهج العربية والعراقية )
الإثنين يونيو 19, 2017 4:39 am من طرف طاهر الخزاعي
» اجوبة امتحان الدور الاول لمادة الرياضيات للثالث المتوسط للعام الدراسي 2017/2016
الأحد يونيو 11, 2017 3:04 pm من طرف محمد الحميدي